بسم الله الرحمن الرحيم
" فضائل الطائف "
الطائف مدينة عريقة ذات تاريخ حافل يضرب بجذوره
إلى عصور ما قبل الإسلام حيث كانت ملتقى للطرق التجارية بين نجد واليمن والحجاز ،
يقول الأمير شكيب أرسلان : " لم تزل الطائف مصيفاً لمكة جاهليةً وإسلاماً إلى
يومنا هذا ، وهي في نظري حارة من مكة خاصةً بأيام الصيف ولا غنى لمكة عنها "
.
ويقول الفاكهي في تاريخ مكة : " الطائف من مخاليف مكة " ، وكان
الطائف في القديم لثمود ثم نزلها العمالقة ثم
نزلها عدوان بعد العمالقة وغلبهم عليها ثقيف فهي دارهم الآن .
وروى
الأزرقي أن إبراهيم عليه السلام لما قال : {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ
غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ
الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } ، بعث الله عز وجل لدعوة
ابراهيم جبريل عليه السلام من ليلته فاقتلع الطائف من الشام من تخوم الثرى بعيونها
وأثمارها ومزارعها وأمره أن يُقَدَّس الطائف ، وكان لها اسم غير الطائف فطاف بها
البيت سبعاً ثم وضعها مكانها اليوم فسميت الطائف لأنها طيف بها بالبيت .
وقيل
سميت بالطائف لأن رجلاً من الصدف أصاب دماً بحضرموت ففر إلى وج وحالف مسعود بن
معتب بن مالك ابن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف وكان له مال عظيم ، فقال : هل لكم في
أن أبني طوفاً عليكم يكون لكم رداً من العرب ، فقالوا : نعم ؛ فبناه وهو الحائط
المطيف به .
قال
الأستاذ الأمير شكيب أرسلان في كتابه الإرتسامات اللطاف : " أما أن الطائف هو
قطعة من الشام جعلها الله في الحجاز وما ورد في ذلك من الآثار والأحاديث المنقولة
في التواريخ التي اطلعنا عليها فكل هذا نحمله على المجاز ، وهو أن الطائف وأراضيها
شامية في فواكهها وثمراتها وعذوبة مائها وبرودة هوائها ".
وقد
قرن الله سبحانه وتعالى الطائف بمكة وبيته المعظم فقال تعالى : { وَقَالُوا
لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }
، فقد ذكر المفسرون أن المقصود
بالقريتين الطائف ومكة ، قال العجيمي : "وفي ذلك يعني اقتران الطائف بمكة
غاية الفخر الذي تعجز العبارة عن كنهه وقدره وماهيته " .
والطائف
هو أول بلدٍ يقصده النبي صلى الله عليه وسلم لتبليغ رسالته والإستنجاد بأهله ، وكان ذلك في شهر
شوال من السنة العاشرة من النبوة .
ومن فضائل الطائف أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية
إلى جحرها " – رواه الترمذي – ،
والحجاز مكة والمدينة والطائف .
ومنها
أن الله تعالى جعلها متنفساً لأهل الإسلام خصوصاً لأهل البلد الحرام ، قال ابن
عراق : "كانوا يغبطون من يصيف بها " ، وقال معاوية رضي الله عنه :
"أنعم الناس عيشاً من يقيظ في الطائف ويشتي بمكة ويربع في جدة " .
وقال
الإمام مالك : " بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لبيت بركبة أحب
إلي من عشرة قصور بالشام " ، قال ابن وضاح : " ركبة موضع بين الطائف
ومكة في طريق العراق " .
ومن
فضائل الطائف أن الله تعالى قرنه بالحرمين في سابقية شفاعته فعن عبدالملك بن عباد
بن جعفر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أول من أشفع له يوم القيامة من أمتي
، أهل مكة وأهل المدينة وأهل الطائف " أخرجه الحافظ ابن الحافظ أبو محمد
القاسم بن علي بن عساكر الدمشقي .
ومن
فضائل الطائف تحريم صيد وج وهو وادي عظيم في ديار الطائف وهو أشهر أودية الطائف
ومواضعها حتى أن بعض المؤرخين أطلقوا لفظ وج على الطائف كلها .
وبهذا
جاء الحديث الشريف " أخر وطأة الله يوم وج " ذكره الفاكهي في تاريخ مكة والجوهري
في الصحاح ، والوطأة هنا الغزاة وكانت غزوة الطائف هي آخر غزوات النبي صلى الله
عليه وسلم .
وقد
جاء تحريم صيد هذا الوادي فعن الزبير رضي الله عنه قال : " أقبلنا مع رسول
اللهصلى الله عليه وسلممن ليّه في طرف القرن
الأسود حذوها ، فاستقبل نخباً ببصره ووقف حتى اتفق الناس كلهم ثم قال : ( إن صيد
وج وعضاهه حرام محرم ) " ، أخرجه أحمد وأبي داوود والبيهقي .
وقال
النووي في الإيضاح : " ويحرم صيد وج وهو وادٍ بالطائف ، لكن لاضمان عليه ؛
وقد صحح الإمام الشافعي حديث التحريم وأخذ به .
وروى
ابن هشام في سيرته عن ابن اسحاق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلملثقيف
" بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين : إن عضاه وج
وصيده لا يعضد ، ومن وجد يفعل شيئاً من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه ، فإن تعدى ذلك
فإنه يؤخذ ، فيبلغ به إلى النبي محمد وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله ، وكتب
خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبدالله فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به
رسول الله " .
ومن فضائل الطائف أن فيه قبر حبر هذه
الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما ، وكذلك قبور شهداء غزوة الطائف من الصحابة
رضوان الله عليهم .
وتمتاز
الطائف بأجوائها وهوائها وثمارها وفي ذلك
يذكر القزويني عن الطائف : " أنها طيبة الهواء شمالية ، ربما يجمد ماؤها في
الشتاء" ويقول الأصمعي عن الطائف : " دخلت الطائف وكأني أُبشر ، وقلبي
ينضح بالسرور ، ولم أجد لذلك سبباً إلا انفساح جوها وطيب نسيمها " .
واُشتهر
الطائف منذ القدم بزراعة الفواكه ، يقول عرام : " الطائف ذات مزارع ، ونخيل !
وموز وأعناب وسائر الفواكه بها " . ويروي المقدسي أن الطائف " موضع
الرمان الكثير والزبيب والعنب الجيد " .
ويذكر الإدريسي : أن الطائف " فواكهها كثيرة وضياعها متصلة وبها العنب
كثير جداً ، وزبيبها معروف يتجهز به إلى جميع الجهات ، وأكثر فواكه مكة تصدر عنها
" .
وقد
وصف الأصمعي ستة عشر نوعاً من العنب الطائفي ؛ " وضروب العنب بالطائف الجرشي
والأقماعي العربي والفارسي والشوكي والرعناء والرازقي وأم حبيب والضروع والنواسي
وحبلة عمرو والدوالي والرمادي والشامي والغربيب والبيضة والأطراف والحمنان "
.
وقد
تغنى كثير من الشعراء والأدباء في الطائف
وفيها يقول العلامة أبو العباس أحمد بن علي الميورقي المتوفي سنة
678ه/1279م :
يقولون
لي شــــــــــــــــاماً وشرقاً ومغرباً ودونك طِيب العيش من كل جانبِ
ودَع عنك إقْلالَ
الحــــــــجــــــــاز ورُزأه وإن كان مأوى الواردات الأطــــــــــــــايبِ
فقلت
لهم حسبي الإلــــــــــــــــــــــه مُوفِّقي لقرب ابن عباس الكريم
المـــــــــذاهبِ
ويارب خِرْ لي في
الأمور وعافني وطيِّب لي الدارين يـــــــــاخير
واهـــــــبِ
كتبه : منصور مرزوق الدعجاني
باحث ومتخصص في التاريخ والحضارة
الإسلامية
المصادر والمراجع :
1.
الأزرقي
: تاريخ مكة وماجاء فيها من الآثار .
2.
الفاكهي
: أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه .
3.
أحمد
بن علي الميورقي : بهجة المهج في بعض فضائل الطائف ووج .
4.
الأمير
شكيب أرسلان : الإرتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف .
5.
القزويني
: آثار البلاد وأخبار العباد .
6.
حسن
العجيمي : إهداء اللطائف من أخبار الطائف .
7.
عبدالله
السيف : النشاط الزراعي في الجزيرة العربية في العصر العباسي حتى نهاية القرن
الرابع الهجري .
8.
محب
الدين الطبري : القرى لقاصد أم القرى .
9.
محمد
بن علوي المالكي : في رحاب البيت الحرام .
عمل جيد جزاك الله خيرا وبارك الله فيك ونفع بكم
ردحذفجزاك الله خير وبارك فيك
ردحذف